الدكتور عثمان محمد غانم نظرة العالم لعملية الانتقال السياسي في سوريا، ونظرة الصين الخاصة

الدكتور عثمان محمد غانم: أكاديمي وخبير بالشأن الصين8/4/2024

لا شك أن التغييرات الدراماتيكية في القضية السورية والانتصار الباهر لقوى الثورة في فترة زمنية قصيرة تجاوزت توقعات جميع الأطراف المحلية والدولية الداعمة والمتحفظة والمعارضة للثورة السورية،حيث يشير خلال مرحلة الانتقال هذه في نظر كل هذه الأطراف إلى فترة جديدة من عدم اليقين في سوريا والشرق الأوسط، بين مشفق يتمني الاستقرار لسوريا والمنطقة وقلق من تداعيات التغيير المحتملة وحذر ينتظر انجلاء مصادر حذره، وعلى ضوء هذه الحقائق
•تسعى الحكومات في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وكذلك في العالم الخارجي إلى إقامة روابط جديدة مع قادة الثورة والانتقال لإيجاد حل للأزمة السياسية في سوريا وفي اعتقادي إن الشرق الأوسط بأكمله وأغلب القوى الكبرى تريد انتقالا سلميا إلى حكومة وطنية موحدة وشاملة في سوريا، بينما هناك حذر من احتمال أن تقع سوريا في صراع أهلي بسبب الصراع على السلطة، ويظهر ذلك من الدعم الإقليمي والدولي الواسع الذي حظيت به حكومة الرئيس أحمد الشرع وفي تقديري الشخصي ان الصين بحكم كونها دولة كبرى وعضو في مجلس الامن ولها مصالح في سوريا والشرق الأوسط لن تكون استثناء ومن المؤكد ستتواصل مع الحكومة السورية الجديدة في الوقت المناسب.
•حتى نفهم موقف الصين ينبغي أولا قراءة السياقات التي بني عليها هذا الموقف، فأولا كثير من المراقبين والمسؤولين الصينين وعلى الرغم من بعد الصين عن مركز الصراع في سوريا، فإن استيلاء الفصائل الثورية على السلطة وإنهاء نظام بشار الأسد أثار مخاوف وقلق بشأن ما يقال هنا في بكين عن وجود لمسلحي الحزب الإسلامي التركستاني الذي تصنفه كمنظمة انفصالية تسعى إلى إقامة دولة إسلامية في منطقة شينجيانغ الأويغورية ذاتية الحكم في الصين.، ومصدر القلق الرئيس ليس هو الانتقال السياسي أو الحكومة السورية الجديدة، وإنما احتمال استغلال قوى خارجية معادية للصين لحالة عدم الاستقرار ،، وفراغ السلطة المتصور ، واستغلال النفوذ للإضرار بالأمن القومي والمصالح الصينية في المنطقة والعالم.، وهناك رأي عام بأن ما حدث من تغيير في سوريا ربما يكون له تأثير على الصين في مجالات، المخاوف الأمنية المرتبطة بالوجود المسلح للمقاتلين الاويغور ، الاعتبارات الاقتصادية بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق، الأدوار الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الاستقرار الإقليمي والمصالح الصينية في المنطقة، والتداعيات على حلفاء الصين إيران وروسيا.
•ومن خلال معرفتي كخبير ذي صلة بالمجال الدبلوماسي في الصين يمكنني القول أولا أن الصين تاريخيا حساسة ومتحفظة تجاه عمليات الانتقال السياسي في الدول الأخرى وتتجنب الدخول في توترات مع الحكومة السائدة أيا كانت طبيعتها، ثانيا نهج الدبلوماسية الصينية بشكل عام حذر ومتريث في إبداء مواقف سياسية أو تصريحات فيما تعتقده شؤون داخلية للدول الأخرى، وعادة ما تتبني الصين في المراحل المبكرة لأغلب عمليات الانتقال السياسي في الدول الأخرى، هذا الموقف الحذر، ويبدو أن سوريا ليست استثناء من هذه القاعدة،
•وقد لا حطت من خلال متابعتي الشخصية تدرجا طبيعيا في الموقف الصيني يتوافق مع هذه القاعدة ففي مرحلة انطلاق هجوم فصائل الثورة على قوات النظام البائد كانت تصريحات ممثل الصين لدى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدعو إلى انسحاب القوات الأجنبية من سوريا، والمطالبة بالرفع الفوري للعقوبات. وإدانة الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا، وهي مواقف ترتبط بسوريا الدولة أكثر من كونها دعم للنظام، كما ترتبط بالتضامن مع حلفائها ايران وروسيا أولا، وهو الموقف الذي اتخذته الصين مرارًا وتكرارًا طوال حقبة الصراع بين الفصائل الثورية وقوات النظام البائد، وعقب تقدم الثوار نحو دمشق، امتنعت الصين عن الإدلاء بتصريحات مهمة بشأن هذه المسألة، واتخذت موقف الترقب والانتظار لتطور الأوضاع.
•بعد أن تحررت دمشق من قوات بشار، كان رد الصين الأولي موجزا، وركز على سلامة المؤسسات الصينية والمواطنين الصينيين في سوريا. والامل في استقرار الوضع في سوريا
•بعد تشكيل الحكومة امتنعت الصين عن الإدلاء بتصريحات مهمة بشأن هذه المسألة، ولاحقا شدد الموقف الصيني على أن بكين تدعم سوريا في تحقيق السلام في أقرب وقت ممكن، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، ودفع العملية السياسية الداخلية وفقًا لمبدأ “بقيادة سورية وملكية سورية”، وإيجاد خطة إعادة بناء تلبي رغبات الشعب من خلال الحوار الشامل. وحث سوريا المستقبلية على معارضة جميع أشكال الإرهاب والقوى المتطرفة حسب وجهة نظرهم وشدد على تقديم الدعم إلى سوريا، ورفع العقوبات الأحادية غير القانونية المفروضة على سوريا منذ سنوات
•خلاصة الامر أن الموقف الصيني الرسمي لم يبدى أية معارضة أو تحفظ على التغيير السياسي في البلاد، وما زالت السفارة والمؤسسات الصينية تؤدي عملها بشكل طبيعي، وأبقت بكين الباب مفتوحًا لعلاقة جيدة مع الحكومة الجديدة، يتجلى ذلك في دعوة المسؤولون الصينيون إلى انتقال سلمي للسلطة وهي إشارة إلى اعترافهم بدور الحكومة السورية الحالية.
•نعم جرت العديد من المناقشات بين البلدين في عهد المخلوع بشار بشأن التعاون الاقتصادي. ومع ذلك، في الممارسة العملية، فشلت هذه المساعدات إلى حد كبير في التحقق، وربما بدأت العلاقات الصينية –السورية في التحسن فقط في العامين الماضيين، مع بدء سوريا في إعادة الاندماج في العالم العربي. ففي أوائل عام 2022، وقعت مذكرة تفاهم بشأن دخول سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية؛ وفي سبتمبر 2023، أثناء زيارة بشار الأسد للصين، أعلن الرئيسان السوري والصيني عن “شراكة استراتيجية” بين البلدين.، لكن منذ ذلك الحين تكشف النتائج العملية أن دخول سوريا في مبادرة الحزام والطريق، وحتى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين لم يكن لها تأثير ملموس يذكر.