الدكتور عثمان محمد غانم – أكاديمي وخبير بالشأن الصيني.
في تطوّر مفاجئ، أبدت الحكومة السورية الجديدة رغبة واضحة في التقارب مع الصين، وذلك حسب تصريح وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال لقائه بالمندوب الصيني فو تسونغ لدى الأمم المتحدة، معبرا عن رغبة دمشق في بناء “شراكة استراتيجية طويلة الأمد” مع بكين. كخطوة اعتُبرت إشارة قوية على سعي الحكومة السورية لكسب دعم واعتراف الصين التي تُعد من الدول المؤثرة بحكم علاقاتها الواسعة ونفوذها الدولي خاصة في مجلس الأمن. واضفاء شرعية على الحكومة السورية الجديدة، وإتاحة الفرصة للصين للبدء بإعادة الإعمار والتنمية. لكن رغم إعلان الخارجية السورية عن لقاء رسمي في الأمم المتحدة مع المندوب الصيني، إلا أن الصين لم تُبدِ حتى الآن أي استجابة ملموسة لهذا التقارب. ما يدفع للتساؤل: لماذا لم تبادر الصين بالتواصل الجدي والمطلوب مع الحكومة رغم مرور أكثر من ستة أشهر على نظام الأسد البائد؟
من وجهة النظر الصينية لهذا التودد السوري رغم وضوحه لا يمكن فصله عن الظروف السياسية والأمنية المعقدة التي تواجهها الحكومة السورية ، حيث ترى الصين أن الولايات المتحدة، تبنّت منذ عهد ترامب سياسة “أمريكا أولاً”، مما قلّص الاهتمام الأمريكي بسوريا. أما روسيا، فعلى الرغم من امتعاضها من إسقاط الأسد، فإن مصالحها الاستراتيجية، خصوصًا القواعد العسكرية والإمدادات الغذائية والنفطية، دفعتها إلى تهدئة الموقف، لكنها لم تُبدِ نية صادقة حتى الآن لدعم النظام الجديد في سوريا. أمام هذا الواقع، تعمل الحكومة السورية مد جسور التواصل مع الصين كوجهة محتملة للحصول على الدعم. غير أن بكين ليست من الدول التي يمكن استمالتها بتصريحات ودية فقط. فالعقبة الأساسية في طريق هذا التقارب تتمثل بالهواجس الأمنية الصينية. لذلك حتى الدول الغربية، التي دعت أحيانًا إلى تخفيف العقوبات على سوريا اصطدمت بموقف صيني رافض داخل مجلس الأمن. وهذا ما يعكس موقف بكين تجاه أي دعم اقتصادي أو سياسي حقيقي. ففي الوقت الحالي، يمكن وصف العلاقة بين بكين ودمشق الجديدة بأنها “مرحلة اختبار”. انطلاقا من عدة معايير
1. المخاوف الأمنية: إن أحد التحذيرات الرئيسية للعلاقات السورية الصينية في سياق انتقال السلطة في سوريا هي الهواجس الأمنية الصينية خاصة فيما يتعلق بالمقاتلين الأيغور والذي قد يعقد العلاقات بين البلدين.
2. الشراكة الاستراتيجية: ربما كان سقوط الأسد بمثابة نهاية “شراكة استراتيجية” أسستها بكين في 22 سبتمبر 2023. ولكن هذه الشراكة الاستراتيجية بعيدة كل البعد عن التحالف بل يمكن اعتبارها آلية تستخدمها بكين للتركيز على مجالات ذات اهتمام مشترك ولا تأتي مع أي التزامات أخرى غير التعاون في القضايا التي يكون ذلك مناسبا لها. ومنذ أن وقعت الاتفاقية كان هناك القليل من المشاركة الاستراتيجية، هذا يعني أن الشراكة الاستراتيجية مع سوريا قبل التحرير لم تكن ذات مغزى خاص، ولم يتم فعل الكثير لتعزيز العلاقات الثنائية منذ الإعلان عنها.
3. الاعتبارات الاقتصادية: الواقع أن الصين لم تبرم أي عقود أو استثمارات كبرى في سوريا منذ عام 2010. والأمر الأكثر دلالة هو المستوى الضئيل للتجارة بين البلدين. فقد بلغت ذروة التجارة بين الصين وسوريا على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية نحو ملياري دولار. وفي عام 2024، لم تتجاوز 400 مليون دولار.، ولم تكن سوريا من الأسواق الجذابة للصين لفترة طويلة.
4. الحزام والطريق: إن مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني والتي تبلغ قيمتها تريليون دولار هي واحدة من أكثر العوامل أهمية فقد انضمت سوريا للمبادرة في 2022، بيد أن استمرار الصراع الداخلي أعاق بناء أي مشروعات متصلة بها،
هل يمكن للصين الاستفادة من الأدوار الإقليمية والدولية في سوريا؟
إن النظر في التأثير المحتمل على الصين من الإطاحة بالأسد يتطلب فهمًا لطبيعة وحجم الأدوار الإقليمية والدولية الفاعلة في القضية السورية. حيث يحظى الرئيس السوري الجديد السيد أحمد الشرع بدعم فاعل من بعض الدول العربية وعلى رأسها دولة قطر والسعودية التي ترى في استقرار سوريا ما بعد الأسد عاملا مهما في الاستقرار الإقليمي، وبرزت أدوار هذه الدول مبكرا من خلال الدعم الدبلوماسي والإنساني والتعهدات بلعب دور فاعل في إعادة الإعمار وبحكم علاقات هذه الدول القوية مع الصين من المرجح أن تسهم في التقارب بين الصين والحكومة السورية الجديدة، واستقطاب الجهد الصيني للمشاركة في إعادة الإعمار في سوريا. كما يشير بعض المحللين الصينيين إلى أن تركيا ستكون لها دور كبير في سوريا. والأولوية الأكبر لها هي إعادة بناء سوريا مستقرة. وفي ضوء المصالح المتبادلة بين تركيا والصين في تعزيز التعاون الوثيق بعد سنوات من الركود يمكن للصين الاستفادة من الدور التركي في سوريا، والتي تشمل توسيع التجارة والاستثمار، والبنية التحتية. إما بالنسبة لروسيا وإيران، فقد أثار انهيار نظام الأسد قلق بكين بسبب انتهاء نفوذهما أو على الأقل النفوذ الايراني في سوريا، حيث أنهما شريكان أكثر أهمية للصين. وحقيقة أن نفوذ موسكو وطهران تراجعا كقطبين للقوة أو النفوذ في الوقت الحالي، لذلك زادت مخاوف الصين من احتمالية دخول سوريا الجديدة كليا تحت النفوذ الغربي بما يهدد مصالح الصين.
ختاما يمكن القول إن الشرق الأوسط يحمل أهمية استراتيجية كبيرة، للصين وعلى الرغم من الصراع المستمر فيه، إلا إنه يمثل خيارا أكثر موثوقية واستثمارا في الأمد البعيد، كما يعتبر عاملا حاسما في نجاح مبادرة الحزام والطريق، و مبادرات الصين العالمية – وخاصة مبادرة الأمن العالمي ومبادرة التنمية العالمية لذلك الصين تهدف من وراء ضغوطها السياسية على الحكومة السورية الجديدة نحو منع تحول النظام السوري الجديد إلى أداة بيد القوى الغربية ضد المصالح الصينية, كما إن المخاوف الصينية تتطلب من الحكومة السورية الجديدة أن تملئ فراغ الثقة الذي فقدته الصين داخل سوريا بعد سقوط بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين , وذلك من خلال التنسيق مع شركاء سوريا الإقليميين خاصة دولة قطر والمملكة العربية السعودية اللتين لديهما تعاون مشترك مع الصين في معالجة القضايا الأمنية بما في ذلك الآليات الإقليمية مثل منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) و مؤتمر منتدى التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا (سيكا), والنقطة التي يجب على الحكومة السورية التركيز عليها هو إن معالجة هذه المخاوف يجب ان تبقى ضمن البيت السوري والآسيوي.