متابعة: المهندسة هناء صالح
غادر الوطن ولم يغادره في خلجات أعماقه، اضطر بسبب الظروف ليكمل مشوار حياته وحلمه خارج الوطن ليثبت للجميع أن السوري ابن حضارة عريقة يجب أن يعرفها الجميع، وكذلك كان ضيفنا لحلقة اليوم من المغترب د. عثمان محمد غانم خبير بمجال الاقتصاد التطبيقي والذي كان له بصمة مميزة في الصين بلد إقامته الحالي.
_والبداية أخبرنا كثر من هو الدكتور عثمان محمد غانم؟
دكتوراه في الاقتصاد التطبيقي (دراسة عملية: مبادرة الحزام والطريق(OBOR))
جامعة الاتصالات في بكين.
_حبذا لو أخبرتنا عن تاريخ مغادرتك القطر وماهو السبب؟
غادرت سوريا في شهر آب عام 2012 وذلك بسبب حصولي على منحة دراسية من قبل الجانب الصيني لدراسة الماجستير في العلاقات الدولية في المعهد الدبلوماسي في بكين وبعد الانتهاء من هذه المرحلة درست اللغة الصينية ومن ثم الانخراط في ابحاث الدكتوراه في الاقتصاد التطبيقي والتخصص في مبادرة الحزام والطريق.
_حدّثنا عن مبادرة الحزام والطريق من خلال وجهة نظرك كخبير وباحث اقتصادي؟
تعد مبادرة الحزام الطريق رؤية استراتيجية وضعها الرئيس الصيني شي جينبينغرسميًا في قلب السياسة الصينية في سبتمبر 2013، تهدف الحكومة الصينية من هذه المبادرة إلى ربط الصين بشركائها من دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا وشرق آسيا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا ودول أوروبية مختلفة، في الحزام الاقتصادي لطريق الحرير (SREB)، وطريق الحرير البحري (MSR)، وطريق الحرير الرقمي (DSR), يُطلق على الطريق البري لـ SREB و البحري لـ MSR معًا اسم الحزام والطريق(One Belt One Road)، وتتزايد أهمية مبادرة(OBOR)يوم بعد يوم، ووفقًا للمعلومات الرسمية الصينية، بنهاية 2023 وقعت 152 دولة ومنظمة دولية وإقليمية مذكرات تفاهم لتكون جزء من مبادر الحزام والطريق.
يعتمد طريق SREB على ستة ممرات اقتصادية للطرق البرية, الممر الاقتصادي بين الصين ومنغوليا وروسيا (CMREC)، الممر الاقتصادي للجسر البري الجديد لأوراسيا (NELBEC)، الممر الاقتصادي بين الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا (CCWAEC)، الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان (CPEC)، والممر الاقتصادي بين بنغلاديش والصين، الممر الاقتصادي بين الهند وميانمار، والممر الاقتصادي لشبه جزيرة الهند الصينية (CICPEC) ، بينما يعتمد طريق MSR على الطريق البحري الذي يربط الصين بموانئ بحرية مختلفة عبر تطوير البنية التحتية البحرية في بلدان OBOR المختلفة. أما طريق الحرير الرقمي (DSR) فالهدف منه هو بناء طريق حرير رقمي من خلال تشجيع قطاع تكنولوجيا المعلومات في الصين على المشاركة في العالم الرقمي العالمي.
تعمل مبادرة OBOR على زيادة الاتصال الجغرافي والذي بدوره يمكن أن يؤدي إلى نمو التجارة البينية على طول بلدان OBOR وبالتالي تنشيط التجارة العالمية، حيث شهدت حجم التجارة الخارجية للصين مع الدول الواقعة على طول الحزام والطريق خلال السنوات العشر الأخيرة استقرار وارتفاع نسبي نتيجة قيام الصين ومن ورائها مبادرة الحزام والطريق بالحفاظ على سلاسل الإمداد وازدياد النشاط التجاري والاستثماري فيما بينهم .ومع ذلك لا ينبغي لنا الاستهانة بالتحديات التي تواجهها المبادرة اثناء التنفيذ، وتتنوع هذه التحديات الى تحديات جغرافية وسياسية واقتصادية وثقافية. حيث يرى العديد من المحللين والخبراء إنه من الصعب تحقيق اهداف المبادرة بسبب الحواجز الجغرافية، كذلك وجود اختلافات كبيرة في مستوى الدخول في بلدان الحزام والطريق، حيث لا تزال معظم البلدان الواقعة على طول ممرات الحزام والطريق فقيرة. وهناك أيضًا اختلافات كبيرة في التجارة البينية وحصة التجارة الصينية مع البلدان الواقعة على طول ممرات الحزام والطريق. على سبيل المثال تعتبر درجة التجارة البينية في وسط وغرب آسيا وجنوب آسيا منخفضة نسبياً مقارنة بالتجارة البينية في أوروبا الوسطى والشرقية وجنوب شرق آسيا، حيث تعكس الحصص التجارية ضعف اتصال البلدان في مبادرة الحزام والطريقمما يعيق أيضًا تطوير روابط التجارة ,علاوة على ذلك إن الاختلاف في الكثافة الطرقية والسككية في دولالحزام والطريقتشير إلى أن معظم دولالمبادرة لها شبكات نقل محدودة والعديد منها تمتلك نسب منخفضة للغاية من الطرق المعبدة إلى إجمالي الطرق، كما أن حركة السكك الحديدية محدودة إلى حد ما, كل هذه الحقائق تشير إلى الحاجة إلى تطوير شبكات النقل حتى تصبح رؤية مبادرة الحزام والطريق(OBOR) حقيقة واقعة. كما إنه من خلال تتبع مصادر البيانات التي يمكن استخدامها لتقييم مستويات تيسير التجارة بين الاقتصادات في ممرات الحزام والطريق، يعد عدد أيام التصدير والاستيراد وتكلفة التجارة في دولالمبادرة مرتفع نسبيا مقارنة بالمناطق الأخرى. على سبيل المثال، في حين يستغرق التصدير في اقتصادات مجموعة السبعة ثمانية أيام، فإن التصدير في وسط وغرب آسيا يستغرق حوالي خمسين يوم في المتوسط. وفي جنوب آسيا يستغرق الأمر حوالي ثمانية عشر يوم، حيث يسلط هذا التنوع الضوء أيضا على أهمية تحسين تيسير التجارة خاصة بالنسبة للبلدان الفقيرة في منطقةالمبادرةلتقليل تكلفة التجرة وتحفيز إحياء التجارة في البلدان الواقعة على طول ممرات المبادرة.كما تعمل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة علىإطلاق مبادرات منافسة لمبادرة الحزام والطريق وكان آخرها الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (Indian –Middle East –Europe Economics Corridor IMEC)، والذي يمكن ان يؤثر على المبادرة الصينية بهدف استهداف نفوذ الصين العالمي والإقليمي، إلا إنه ما نراه على ارض الواقع أن الصين ستلقي بثقل أكبر في مشروع الحزام والطريق من خلال تكثيف التمويل في مشاريع البنية التحتية ولدول الحزام والطريق.
بشكل عام تعتبر مبادرة(OBOR) من المبادرات الواسعة النطاق والمعقدة، حيث ل تزال آثارها وتأثيراتها المحتملة على التجارة في انتظار إجابات حاسمة، والتحدي الكبير في مبادرة الحزام والطريق(OBOR)عندما تتعرض التجارة للاختناق بسبب العديد من الحواجز التي تحول دون ربط وسائل النقل من مختلف البلدان بسبب عدم كفاية قدرة البنية التحتية وتكلفة نقل البضائع و العوامل الطبوغرافية مثل الصحاري أو المناطق الجبلية، بالإضافة إلى الحواجز القانونية والتنظيمية، وتمويل المشاريع وأمنها، والأمن المحيط بطرق التجارة. لذلك يوصي الخبراء حكومات دول المبادرة بأن يظل الاستثمار في البنية التحتية ذات الصلة بالتجارة والنقل مثل الموانئ والطرق والسكك الحديدية والاتالات أولوية ويجب توفير التمويل الكافي لهذا الغرض. وهو ما تقوم به الحكومة الصينية في مجموعة من الإصلاحات العديدة في استراتيجية تنمية مبادرة الحزام والطريق (OBOR) لتعزيز البنية التحتية للنقل على الطرق البرية والبحرية والممرات الاقتصادية التي تلعب دورًا حيويًا في تحسين النمو الاقتصادي والاستقرار.
ماهي الفوائد المحتملة لسورية من خلال مبادرة الحزام والطريق؟
في عام 2005، بدأت سوريا تنظر بشكل أوسع إلى الشرق باعتباره المكان الذي يكمن فيه المستقبل، لذلك بدأت الحكومة السورية في تطوير استراتيجية البحار الأربعة لسوريا، والتي تتضمن اندماج الحيز الاقتصادي بين سوريا وتركيا والعراق وإيران عبر ربط البحر الأبيض المتوسط، بحر قزوين، البحر الأسود والخليج العربي وبمجرد ربط هذه البحار الأربعة ستصبح المنطقة نقطة تقاطع اساسية للتجارة والاستثمار العالميين. لذلك في معرض التحليلات والنتائج التي أشار إليها خبراء المبادرة حول اسباب تأخر انضمام سوريا لها هي إن سوريا كانت تخطط للتواصل مع الصين لتعزيز تنميتها الاقتصادية وتنويع علاقاتها السياسية والأمنية لتصبح متقدمة بشكل جيد قبل بدء الحرب في عام 2011، وقد يكون الهدف الحقيقي للحرب على سوريا هو أولاً إحباط مبادرة البحار الأربعة. بعد ذلك، كان الهدف منع سوريا من تطوير علاقتها مع الصين، وإعاقة وصول الصين إلى البحر المتوسط.
ففي السنوات الست التي سبقت اندلاع الحرب في سورية (2005-11)، بلغت الاستثمارات الصينية في سوريا 4 مليارات دولار. بينما في العقد الذي أعقب اندلاعها، انخفض إلى الصفر عمليًا. ومع ذلك أصبح من الواضح بشكل متزايد أن إعادة الإعمار بعد الحرب تتطلب جهدًا دوليًا هائلًا بقيمة مئات المليارات من الدولارات، ويرى الخبراء في بكين إن الصين عازمة على الحصول على نصيبها من عملية الاعمار لذلك يمكن القول إن انضمام سوريا للمبادرة الصينية ستحقق العديد من المنافع المتبادلة بين الطرفين كالتالي.
سوريا والصين تشتركان في احتياجات مشتركة، حيث تحتاج الصين إلى الوصول للموارد الجغرافية لسوريا بقدر ما تحتاج سوريا إلى المساعدة الاقتصادية والدعم الاستراتيجي من الصين، بالتالي التحالف مع الصين هام لأنه يوفر لسوريا خيار ثاني.
كلا البلدين بحاجة إلى بناء نظام أمني إقليمي موثوق ودائم، ليس فقط لحماية سوريا ولكن وبنفس القدر من الاهمية، لحماية مبادرة الحزام والطريق الصينية. (OBOR)
تحتاج الصين إلى تأمين استثماراتها وطرقها التجارية من خلال تحالفات إقليمية طويلة الاجل، وتحتاج سوريا إلى شريك استراتيجي راغب وقادر على مساعدتها في إعادة بناء اقتصادها وحماية امنها القومي
الصين بحاجة إلى سوريا للممر البري ومنشآت الموانئ. تم وصف هذا الترابط في مقال نشرته صحيفة “تشاينا ديلي جلوبال إيديشن” في 19 ديسمبر 2019 بعنوان مبادرة الحزام والطريق تحتاج إلى سوريا مثلما تحتاجها سوريا.
سوريا ستستفيد من تنسيق سياساتها التنموية الوطنية مع المكون الاقليمي والعالمي في المبادرة وخاصة ان سوريا تتجه للخروج من حالة الحرب والعزلة الاقليمية التي عانت منها خلال السنوات الماضية.
على مدى السنوات العشر الماضية، شهدت المبادرة تشكيل نظام نقل عبر الحدود يغطي خطوط الانابيب البرية والبحرية والجوية والنفطية. تشمل المشاريع الرئيسية السكك الحديدية التي تربط الصين مع مختلف مناطق العالم وقد وفرت هذه البنية ركائز أساسية لمعالجة القضايا الخلافية بما في ذلك نزاعات الحدود والموارد بين دول المبادرة على أساس قاعدة كاسب كاسب وتعاني سوريا من هذا النوع من النزاعات بالتالي ستساعد الارتباطية في البنية التحتية في طروحات إيجابية لهذه النزاعات وتعزز الاستقرار السياسي في سوريا والاقليم.
المبادرة الصينية ستعزز التكامل المالي، فقد تم إنشاء أربع مؤسسات مالية متعددة الأطراف هي البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية(AIIB)، وبنك التنمية الجديد(NDB)، وبنك التنمية التابع لمنظمة شنغهاي للتعاون(SCO)، وصندوق طريق الحرير.
الروابط الشعبية هي الاساس الاجتماعي لمبادرة الحزام والطريق. على مدى اسنوات العشر الماضية نفذت الصين والبلدان الواقعة على طول الطرق برامج تعاونية في الثقافة والسياحة والتعليم ومراكز الفكر والحد من الفقر، والسيطرة على الاوبئة، حيث إن سوريا تواجه تحدي إعادة تأهيل شعبي واسعة بعد الحرب والزلزال وبذلك تصبح العلاقات الشعبية على مستوى دول المبادرة دافع ومحفز لاستعادة الاحياء الوطني والتضامن القومي لبناء الشعب السوري الذي عانى من التشظي والتنافر بفعل التدخلات الخارجية.
تعتبر إعادة الاعمار وعودة النازحين واللاجئين الي مناطقهم الاصلية من أكبر تحديات الاقتصاد السياسي التي تواجه سوريا في مرحلة ما بعد الحرب ومن حسن الحظ أن برامج مكافحة الفقر وتحسين جودة الحياة محور أساسي في مبادرة الحزام والطريق، وقدمت الصين خلال السنوات العشر الماضية مساعدات قيمة للبلدان الواقعة على طول طرق الحزام والطريق في مكافحة الفقر.
مع تصاعد الحرب في أوكرانيا واحتمالية تأثيراتها الجيوبولتيكية على مستوى العالم تصبح حماية المصالح الاستراتيجية لسوريا وخاصة في البنيات التحتية للموانئ والمجال الحيوي في البحر الابيض امرا ضروريا لسوريا وتعزز مبادرة الحزام والطريق من بناء مصالح وشراكات اقتصادية قوية تحظي بالحماية الامنية الجماعية للشركاء في المبادرة.
ترتبط مبادرة الحزام والطريق في التصور الصيني الكلي بالسعي لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وعززت الصين هذا المسعى بطرح مبادرات عالمية في الأمن والتنمية والحضارة، والذكاء الاصطناعي ومبادرات لمعالجة الأزمات الاقليمية بما في ذلك الصراع العربي الاسرائيلي وازمات الشرق الأوسط الاخرى ووجود سوريا كشريك في مبادرة الحزام والطريق يجعل تعاملها وموقفها من الطروحات الصينية مؤسس على شراكة استراتيجية حقيقية تراعي المصالح الجوهرية السورية.
أين ترى موقع سورية بهذه المبادرة؟
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1956 أقامت الصين وسوريا علاقات اقتصادية هدفت إلى إرساء أسس علاقة اقتصادية ودبلوماسية وثيقة مع الصين، حيث تم فيما بعد وتحديدا 2004توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات التعليم والزراعة والصحة والتكنولوجيا والري والطاقة والصناعة والتجارة والاستثمارات مما أعطى هذه العلاقة قوة دفع أكبر. بالنسبة لسورية ذات الموقع الجغرافي الهام والذي يشكل جانب مركزي للمنطقة بالنسبة لمبادرة الحزام والطريق، توفر مركزية سوريا للمبادرة وصول بري إلى الأردن ولبنان والجزيرة العربية والعراق ومن العراق إلى إيران وما وراءها.
انضمت سوريا رسميًا إلى مبادرة الحزام والطريق(OBOR) في كانون الثاني 2022 من خلال التوقيع في دمشق على مذكرة تفاهم مع الصين ، وبموجب المذكرة الموقعة تنضم سوريا إلى المادرة التي من شأنها الإسهام في فتح آفاق واسعة من التعاون مع الصين وعدد من الدول الشريكة بالمبادرة في إطار تبادل السلع والتكنولوجيا ورؤوس الأموال وتنشيط حركة الأفراد إلى جانب التبادل الثقافي.حيث يهدف الجانب السوري اقتراح عدة مشاريع يمكن تنفيذها في إطار المبادرة، منها ما هو في مجال النقل كالربط السككي بين مرفأ طرطوس والحدود العراقية، وإنشاء طريق برّي سريع يربط جنوب سورية بشمالها، ومنها ما هو في مجال توليد الكهرباء، وكذلك في مجال استكشاف النفط والغاز، إضافة إلى إنشاء مناطق حرة صينية في سوريا (حسياء، توسع اللاذقية). مع التركيز على البعد الإقليمي لهذه المشاريع بما يتوافق مع روح مبادرة الحزام والطريق. وفي محاولة لتبرير الانخراط السوري في المبادرة الصينية التي لا تزال غير واضحة المعالم والأهداف لا سيما بشقيها الجيوسياسي والاستراتيجي ربط البعض بين المبادرة الصينية، ومشروع ربط البحار الأربعة الذي تبنته سوريا عام 2011، مبررين بوجود نوع من التكامل الاستراتيجي بين المبادرة والمشروع.
كثيرا ما نسمع عن مخاطر الاستثمارات الصينية، هل لك أن تحدثنا بشكل موجز عن هذه المخاطر ان كانت موجودة؟
أصبحت الصين مستثمر عالمي منذ بداية القرن الحادي والعشرين في جميع انحاء العالم من خلال التدفق الخارجي لرأسمال الصيني إلى مختلف القطاعات با في ذلك الطاقة والنقل والزراعة والتصنيع والعقارات والعديد من المجالات الأخرى ،كما تلعب الشركات والبنوك وصناديق الاستثمار وشركات التأمين الصينية أدوار مختلفة في المشاريع الخارجية من خلال تقديم القروض والعملات الأجنبية واستثمارات الأسهم ،وقد بلغ في 2023 أجمالي الاستثمار الصيني المباشر 130.1مليار دولار بزيادة 11.4% على أساس سنوي وكانت حصة الدول المنضوية في مبادرة الحزام والطريق 31.8 مليار دولار بزيادة 22.6%. ومن خلال دراسة طبيعة الاستثمارات الصينية في الخارج تظهر إنها تعتمد على ثلاث دوافع، الدافع الاقتصادي والمتمثل في استثمارات البنية التحية الخاصة بدول الحزام ولطريق والموارد النادرة، الدافع السياسي بهدف تعزيز نفوذها وحضورها العالمي وخاصة في الحقبة الثانية والثالثة من حكم الرئيس الصيني الحالي شي جينبنغ، الدافع الثقافيالاجتماعي حيث تهتم الصين بنشر لغتها وثقافتها وحضارتها للعالم الجديد.
إما بالنسبة للاستثمار الأجنبي المباشر للصين تعرضت الصين مؤخرا لضغوطات من الدول الغربية بحجة تصدير الصين للطاقة الفائضة من المنتجات عالية التقانة وهو ما أدى إلى وجود اختلال في ميزانها التجاري مع معظم دول العالم وبهدف تخفيف الضغوط لجأت الصين إلى سياسة إعادة تموضع استثماراتها الخارجية خاصة في مجال الطاقة الجديدة والاقتصاد الأخضر على نطاق عالمي من خلال نقل الصناعات الخفيفة والمتوسطة إلى دول اخرى خاصة دول الحزام والطريق، والإبقاء على صناعة التقانة العالية ذات القدرة الإنتاجية الجديدة. وبشكل عام يمكن ان ينجم مخاطر عديدة عن الاستثمارات الصينية في الخارج منها محدودية العمالة المحلية في الاستثمارات الصينية، والقيود التي تفرضها الصين على نقل التقانة الصينية العالية للعالم وأحيانا يقوم مفهوم الاستثمارات الصينية على دوافع غير اقتصادية قد يترتب عليها وقوع البلد المستقبل للاستثمار الصيني في مصيدة الديون وهذا يعود غالبا إلى ضعف السياسات والخطط والنهج الاستثماري للبلد المضيف. كما تعرضت استثمارات مبادرة الحزام والطريق مؤخرا إلى ضغوط مشاريع بنية تحتية منافسة على أساس عالمي مثل مبادرات مجموعة السبع أو المبادرات الإقليمية وهذا يتطلب من الصين أن تلجأ إلى تنويع استثماراتها في البلدان الأخرى وانتقالها من الاستثمارات في البنية التحية إلى الاستثمار في القطاعات الصناعية، كما ينجم عن الاستثمارات الصينية مخاطر امنية ناتجة عن التنافس الجيوسياسي مع الولايات المتحدة وحلفائها كما هو حاصل الآن في مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني(CEPC) والذي يعتبر جزء هام من مبادرة الحزام والطريق(OBOR).
كيف ترى تقبل المجتمع الصيني لنا كسوريين بعاداتنا وتقاليدينا؟
بشكل عام يميل المجتمع الصيني إلى تقدير التنوع الثقافي وغالباً ما يرحب بالناس من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك السوريون، بعاداتهم وتقاليدهم الفريدة. ويمكن أن يعتمد مستوى القبول والاندماج الذي يعيشه السوريون في المجتمع الصيني على عوامل مختلفة، بما في ذلك التجارب الفردية والمواقف المحلية والسياسات الحكومية. لكن هناك عدة أسباب تزيد من قبول السوريين في الصين منها:
العلاقات التاريخية: تتمتع الصين وسوريا بتاريخ من العلاقات الودية والتبادلات الثقافية يعود تاريخها إلى قرون مضت. يمكن أن يوفر هذا الارتباط التاريخي أساس للتفاهم المتبادل والتقدير لثقافات الآخر.
التنوع في المدن: المدن الصينية الكبرى، مثل بكين وشانغهاي وقوانغتشو، هي مراكز عالمية تضم مجموعات سكانية متنوعة من جميع أنحاء العالم وفي هذه البيئات الحضرية، قد يجد السوريون قبول أكبر وفرص أكبر للاندماج الاجتماعي والثقافي.
التعاون الاقتصادي: تشمل مبادرة الحزام والطريق الصينية سوريا كدولة شريكة، مما يعزز التعاون الاقتصادي والتبادلات الشعبية. ومن شأن هذا التعاون أن يعزز التفاهم بين الثقافات ويسهل التفاعل بين السوريين والمواطنين الصينيين.
التعليم والبحث: تجتذب الجامعات والمؤسسات البحثية الصينية الطلاب والباحثين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك سوريا. يمكن لتبادل الأكاديمي أن يسهل التبادل الثقافي ويعزز التفاهم بين الثقافات بين الطلاب والأكاديميين.
التقدير الثقافي: يُظهر المجتمع الصيني غالبًا تقديرا للثقافات المتنوعة من خلال الفعاليات الثقافية والمهرجانات والتبادلات الدولية. وقد يجد السوريون فرصاً لمشاركة عاداتهم وتقاليدهم ومأكولاتهم مع المجتمعات الصينية، مما يعزز الاحترام والتفاهم المتبادلين.
وفي نهاية المطاف، فإن بناء العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل والتفاهم والقيم المشتركة يمكن أن يساهم في قبول السوريين وإدماجهم في المجتمع الصيني.
ما هو الحلم الذي حملته معك من بلدك وهل تعتقد إنك نجحت بتحقيه أو بتحقيق جزء منه؟
خلال انتقالي في رحلة فريدة من نوعها إلى الصين، رحلة ملؤها العزيمة والاصرار، تمكنت من اتخاذ خطوات كبيرة نحو تحقيق جزء كبير من احلامي، حيث وجدت النجاح في الصين، سواء من خلال المساعي التعليمية، أو التقدم الوظيفي، أو الإثراء الثقافي، أو المشاركة المجتمعية.
مثلي مثل جميع السوريين الذين يملكون أحلام تحمل تطلعات وفرص للتطوير الشخصي والمهني، مثل متابعة التعليم العالي أو الحصول على فرص تدريب متخصصة غير متوفرة في سوريا. حيث تقدم الجامعات والمؤسسات البحثية الصينية مجموعة من البرامج الأكاديمية وفرص المنح الدراسية التي يمكن أن تساعد الأفراد على تحقيق أهدافهم التعليمية. كما وفر لي الانتقال إلى الصين فرص للتقدم في حياتي المهنية، واكتساب خبرة عمل قيمة اتاحت لي الريادة في الأعمال من خلال البدء بمشروع مشترك مع عدد من الباحثين في تأسيس مكتب لدراسات جدوى المشاريع الاقتصادية المرتبطة بالمبادرة الصينية بين دول الحزام والطريق وخاصة دول غرب آسيا. والاطلاع على تجربة الثقافة والتاريخ والتقاليد الغنية للصين والتعلم منها حيث يؤدي الانخراط في أنشطة التبادل الثقافي وتعلم اللغة والفعاليات المجتمعية إلى إثراء تجاربي الخاصة عبر الثقافات وتعزيز التفاهم المتبادل.
كل انسان يحلم بان يقدم شيئا لوطنه ماهي الفائدة التي تشعر بانك قادر على تحقيقها لوطنك من خلال اقامتك في الصين؟
بالنسبة لنا كسوريين نعيش في الصين، هناك عدة طرق يمكننا من خلالها المساهمة في وطننا وإحداث تأثير إيجابي، مثل نقل المعرفة والمهارات في مجالات مختلفة مثل التكنولوجيا والهندسة والأعمال التجارية. ويمكننا بعد ذلك مشاركة هذه المعرفة مع مجتمعنا في الوطن من خلال برامج التدريب أو الإرشاد أو المشاريع التعاونية، مما يساهم في تطوير وبناء قدرات القوى العاملة في سوريا. كما يمكننا كسوريين في الصين إنشاء شركات أو شركات ناشئة أو مؤسسات اجتماعية تعالج تحديات أو احتياجات محددة في سوريا من خلال الاستفادة من النظام ابيئي للابتكار في الصين، والقدرة على الوصول إلى رأس المال، وفرص السوق، وتطوير حلول مبتكرة لديها القدرة على خلق فرص العمل، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتحسين نوعية الحياة في سوريا. ويمكن للسوريين الذين يعيشون في الصين العمل كسفراء ثقافيين، وتعزيز التفاهم بين الثقافات والصداقة والتعاون بين البلدين. ومن خلال الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية والتفاعلات الشعبية، يمكنهم تعزيز العلاقات الثنائية وتقوية العلاقات بين سوريا والصين.
بشكل عام، كسوريين نعيش في الصين نتمتع بالقدرة على لعب دور مهم في المساهمة في تنمية وازدهار ورفاهية وطننا، سواء من خلال نقل المعرة أو ريادة الأعمال أو التبادل الثقافي.
خلال زيارة السيد الرئيس للصين تحدث عن دور للمغتربين في المغترب أين ترى دور المغترب السوري خاصة حملة الاختصاصات والشهادات العليا؟
دور المغتربين السوريين، وخاصة ذوي المهارات المتخصصة واصحاب الدرجات العلمية المتقدمة كبير ومتعدد الأوجه، حيث يمكن لخبراتنا وتجاربنا أن تحدث فرقًا من خلال بناء القدرات ونقل المهارات، ويمكن للمغتربين السوريين ذوي المعرفة المتخصصة والدرجات العلمية المتقدمة المساهمة في بناء قدرات المؤسسات والمنظمات والأفراد في سوريا ومن خلال توفير التدريب والإرشاد والمساعدة الفنية، يمكنهم المساعدة في تطير المواهب وتعزيز المهارات المهنية وتحسين الفعالية التنظيمية في مختلف القطاعات مثل التعليم والهندسة والأعمال.كما يمكن للمغتربين السوريين أن يلعبوا دوراً حاسماً في دفع ريادة الأعمال والابتكار من خلال الاستفادة من خبراتهم وشبكاتهم ومواردهم. ويمكنهم إنشاء شركات ناشئة وشركات ومؤسسات اجتماعية تقدم حلولاً مبتكرة وخلق فرص عمل حفز النمو الاقتصادي في القطاعات الرئيسية للاقتصاد.كما يمكن للسوريين المغتربين ذوي الخلفيات التعليمية في التقانة والهندسة المعمارية والتخطيط الحضري والبناء المساهمة في إعادة إعمار وتطوير البنية التحتية في سوريا من خلال المشاركة في مشاريع البنية التحتية، ومبادرات التجديد الحضري، وبرامج الإسكان، يمكنهم المساعدة في إعادة بناء المجتمعات، واستعادة الخدمات الحيوية، وتحسين الظروف المعيشية للسكان.ويمكن للمغتربين السوريين في الأوساط الأكاديمية والبحثية المساهمة في النهوض بالتعليم والبحث ونشر المعرفة في سوريا. يمكنهم التعاون مع الجامعات والكليات ومراكز البحث لتطوير البرامج الأكاديمية وإجراء المشاريع البحثية وتوجيه الطلاب في مختلف مجالات الدراسة.
كلمة اخيرة لمن توجهها؟
يثير الصعود الصيني اليوم عدة تساؤلات تتطلب الإجابة عنها قراءات معمقة للشعب والدولة الصينية ورؤيتهما للذات والإقليم ولعالم، ومن ضمن هذه التساؤلات الكثيرة ما يدور حول إمكانية تحول الصين إلى دولة توسعية في الصراعات والحروب باعتبار إن الصين في طريقها لأن تكون قوة عظمى، مما يؤهلها لأن تكون شريك أساسي في النظام العالمي وخلال سنوات قليلة، سوف تصبح القوة الاقتصادية الأولى، فبالتأكيد إذا كان بوسعي أن أتحدث إلى القراء عن الصين، فإنني أود أن اشير على إن الصين لا تميل للتوسع التسلطي بل للتوسع الذي يحقق منفعة تقوم على الاحترام المتبادل للسيادة والسلامة الإقليمية وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي. مع التأكيد بأن الصين ليست مجرد أمة بل إنها نسيج من الثقافات والتقاليد التي تمتد لآلاف السنين من التاريخ.
علاوة على ذلك، تُعَد الصين قوة عالمية تقود الابتكار، والنمو الاقتصادي، والتقدم التكنولوجي. ومن التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة إلى برامجها الطموحة لاستكشاف الفضاء، تعمل الصين على تشكيل المستقبل بطرق عميقة. ومع ذلك، فبعيداً عن الإنجازات العلمية، تُعَد الصين أيضاً أرض الضيافة والتراث الثقافي الغني. ويجسد شعبها، بلغاته وعاداته وتقاليده المتنوعة، روح الإبداع والتصميم.فأثناء استكشافك للصين، سواء كزائر أو طالب أو رجل أعمال أو دبلوماسي، أشجعك على احتضان تعقيداتها والتفاعل مع شعبها والانغماس في نسيجها النابض بالحياة من الثقافات والخبرات، فلدى الصين الكثير لتقدمه للعالم، ومن خلال تعزيز التفاهم والتعاون والاحترام المتبادل، يمكننا بناء الجسور التي تربطنا جميعا في رحلتنا المشتركة للاستكشاف والاكتشاف.
كل الشكر للدكتور عثمان محمد غانم للحوار الشيق والمفيد, واللقاء مع بصمة مغترب جديد
هكذا هم السورييون ينشرون عبقهم أينما حلوا ليثبتو للعالم أنهم أبناء حضارة عريقة شامخة كما شموخ قاسيون , وسيرة عطرة كما عطر الياسمين الدمشقي.